تلقيح العقـول بأقـوال الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : << علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل >> وهو حديث غزير بالمعارف .
من ظاهر هذا الحديث نرى الدعوة إلى تعليم الأولاد – ولا بد أن يكون المعلم متعلم والا فهو أيضا يحتاج إلى تعلم – الأمور الثلاثة السباحة والرماية وركوب الخيل وهي أمور خاصة بالبدن نافعة له بلا شك ، إذن هي أمور حسية وإذا أرجعناها إلى الجانب النفسي المعنوي كان من الضروري حصرها في ما تختص به النفس .
أولاً : السباحة : وهي معروفة مألوفة وتكون بتنقل البدن داخل أو خارج الماء هذا من الجانب الحسي وأما من الجانب المعنوي فهو سباحة النفس داخل المعارف والمفاهيم كما تسبح السمكة في الماء فهي دائمة الرغبة في الزيادة عارفة لكل الوجهات هدفها التزود ولا تضرها مشقة الطريق فهي كالنار تأكل الحطب ولا تشبع .
ثانيا : الرماية : وهي رمي السهام والرماح لأهداف معينة طبعا بعد اختيار السهم أو الرمح المناسب هذا حسيا أما نفسيا هو رمي الألفاظ والعبارات والمعاني بعد اختيارها من جملة المعارف المتوصل إليها إلى غاياتها بإعطاء كل موقف ما يناسبه ، إذا كان في موقف جدال اختار سهام خاصة واصاب بها الهدف ، وإن كان في موقف نصيحة اختار ما يناسبها من الألفاظ لإصابة الهدف ، إن كان في موقف تحذير أمعن وتمكن من إصابة الغاية ، فهو كالحرباء تأخذ لون الوسط الموجودة فيه .
ثالثا : ركوب الخيل : هو امتطاء الحصان غاية التنقل بدنيا طبعا ونفسيا هو التنقل بين الدرجات والتعرف عليها بأذواقها منزلة منزلة فهمه هو البناء والرقي ، فمثله كمثل البخار اتجاهه دائما إلى الأعلى .
ما أحلى وأجمل هذا الشخص العامل بهذا الحديث الشريف حسيا ومعنويا ، لهو ألذ حديث وألذ معاملة وإحساسه ألطف من أنفاسه – فهو قوي البدن شجاع دائم الإقدام ، تهابه قبل أن تراه خاصة إذا أظهر لك ما في سريرته .
مثله كمثل البرتقالة شكلها جميل اذا قشرتها تلذذت بها لا محالة .
لب الموضوع :
رسالة صغيرة بالفوائد غزيرة
إن كل موجود قبل وجوده عدم . ثم ظهر إلى الحياة مارا بنقطة اسمها نقطة البداية وبعدها أخذ ينمو ويتطور وهذا مبدأ انطلاق كل موجود . وبعدها أبصر وعقل فرئ اختلاف الأوساط واختلاف الناس مع اختلاف آرائهم وحوائجهم وغاياتهم وأهدافهم ، فعلم حينها أن المقاصد كثيرة ليست مقصد واحد مشترك كل حسب قدرته وذوقه فاختلفوا كما اختلفت المقاصد .
وانقسمت المعارف إلى قسمين وانقسم الناس فيها إلى أ قسام :
1) معارف معلومة : وهي كل ما علم وبان والناس فيها قسمان : قسم أبصرها وجد في التعرف عليها ومخالطتها بنفسه دون اي عون أو أي توجيه فهي موجودة بغيره محيط بها بنفسه متمكن عليها يدري أماكن توظيفها فهو صاحب ذكاء .
- وقسم آخر أبصرها وأرادها ولكن لا يدري كيف يأخذ بها فاحتاج إلى اعانة وتوجيه فهو صاحب غباء .
2) أما النوع الثاني من المعرفة : المعارف المجهولة وهي التي لم تعلم إلا من تجربة شخص خاض أحداثها حتى وصل إليها فأظهرها للقسمين ألأولين ، فهو صاحبها الواجد لها الآخذ بها . ويعد هذا القسم أعلى وأحسن الأقسام وصاحبها ذو خبرة .
صنديد تجرع المـرارة يطوي الصعاب طيـا
يخوض الأحداث بكراهة ويأتي المغنم منه طريا
- وكما هو معروف أن الإنسان في جميع أوقاته متعرض لأشياء دون قصد ، وقد يلجئ للبحث عنها ، وكل حسب مجاله الخاص به إرادته ومعرفته . مثلا :
شخص في مجال الحرفة يريد تعلم واحدة سواء لمحبته لها أو باتخاذها سببا لسد حاجته من المال . وآخر لمجال الدراسة فإنه دائم التعرف على أسماء ومواضيع جديدة . وآخر رغبته في التعرف على الأجهزة وكيفية تشغيلها . وكل من هؤلاء واصل وعاجز ، فالواصل تمكن من الوصول إلى هدفه ثم ينتقل إلى آخر فيتمكن أو يعجز فهو دائم الحمولة . أما العاجز واقف حيران لا يدري كيف البدء فيرى الفرار عليه أسهل ويتخذ الصفر صديقا حميما .
وجاور الصفر تأنسا والصفر منـه يتبرء
منهارا أراد البنــاء ولا يدري كيـف يبدأ
ففر فراره من الأسد لعـل الجرح يبـرأ
فلا بد لهذا العاجز من دواء لدائه المتمثل في أسباب يرجى البرء منها :
1) التعجب أو الاندهاش : ويكون في أول وهلة يرى فيها الشيء المراد معرفته فيتولد في نفسه استعظامه واستصعابه . وهذه الدهشة رفيق دائم في كل المجالات حتى بين الناس ، فربما تكل مع شخص وبدأ ذالك الشخص في زخرفة كلامه فيندهش السامع ويقول أن الكلام ينتهي عند ذالك الشخص ، فهو دائما في دهشة .
كالبيضة إذا أنت حملتها تكاد في اليـد تنكسـر
فكيف بعنكبوت يبنــي والسماء من فوقه تمطـر
وهي تختلف من شخص إلى آخر حسب ذكائه وفطنته .و شفاء هذا الداء هو النظر إلى الأشياء بعين البساطة مع الأخذ بالتدريج .
2) احتقار النفس : وهو ناتج عن السبب الأول فينظر إلى كل واصل بعين الإعجاب والتعظيم مع احتقار نفسه وعدم إعطائها أي قدر لإستلاء الدهشة عليه فأعمت بصره عن رؤية قدر نفسه .
بسهم مسموم مضروب أنــت والله قتيــل
ريح أصابك غبــاره انطرحت وقلت عليل
وشفاء هذا الداء هو مسح ضباب الداء الأول ليرى قدر نفسه فلا يحتقرها .
3) الخوف : الناتج عن السببان الأولان ويتظمنهما ، ويعد حاجزا منيعا بين الراغب والمرغوب إذ يرمي صاحبه بسهم التثبيط فيمنعه منعا نهائيا عنه التقدم والتمكن . وزوال هذا الأخير يعد تجاوزا ناجحا موصل إلى كل هدف وكل معرفة .
امتطي الشجاعة تقدما سلاحك الصدق فعول
وتجاوز الحصون كلها تجد كل أهدافك فأمـل
ولابد على كل مريد من تجاوز هذه الأسباب المتصلة ببعضها ، وان يجعل أهدافه نصب عينيه كلما تمكن من واحد أنتقل إلى آخر . فهو خليل المعرفة أينما كانت كان ، وكل صعب عليه هان ، بتقدم ذو إمكان منظما أموره ، نابذ للتقليد ، جار وراء كل جديد ، اينما وضعته وجدته ، والناس درجات .
خاتمـة ترغيـبيـة :
تنوير الأفهام بتبين أنواع الكلام
إن الكلام يعد من الوسائل الضرورية التي تربط بين جميع الأفراد لاحتياج بعضهم البعض مع فهم بعضهم البعض فاختلف باختلاف العقول والافهام نوعا وفهما .
- سهل غير ممتنع: هو سهل الفهم بسيط لا يحتاج إلى جهد لفهمه مع أنه كل شخص يستطيع كتابة مثله ويدخل في ذالك كلام عامة الناس ابتداء من اللغو .
- صعب غير ممتنع : له من الصعوبة ما تتطلب قليل التركيز ومن الأشخاص من له أن يكتب مثله مع بذل قليل جهد ،وهذا نجده في الكتب الدراسية .
- صعب ممتنع : صعب الفهم يحتاج إلى تركيز عميق وانتباه كبير وعسى ، ولا تستطيع أن تكتب مثله لأنه صدر من أصحاب عقل وذكاء وهو من ******دة تجاربهم ، ويدخل في ذالك كلام الفلاسفة و المتكلمين وله من التكليف الكثير الكثير وهو أسوء الأقسام .
- سهل ممتنع : أي سهل الفهم ترى فيه البساطة والسهولة لكن يصعب كتابة مثله لأنه أيضا من ******دة تجاربهم وهو من أحسن الأقسام وأعلاها ، وأصحابه من العالمين العارفين الذين اجتمعت فيهم كل الخصال المذكورة في هذه الرسالة، يحن القلب لرأيتهم ويسيل اللعاب لكلامهم ويخنق الشوق صاحبه للقائه ولكن إذا بحثت عنه لم تجده وإذا وجدته قال سامحني مشغول .
أبصرت الزمان ماضيا وأنا بحالي متحيــر
خالطت الوحل ثاويــا ركائبي عاجزا أشعـر
فإذا أنا بنملة جاهـدت بالنسبة لي هي أصغر
ففطنت لشيء حينها ألا أهين نفسي ولا أحتقـر
فمسحت ضباب الدهشة وبدأ الجد مني يقطـر
وأعطيت نفسي قدرها ووطأت الخوف أمكر
وتقدمت الصعاب تقدما تقدم ثابت يقــــدر
فصرت للمعارف عالما والمعارف بحالها تنكر
أعرفها وهي لا تعرفني إذا رأتني تستلم وتبهر
خالطتها بالعز واقفــا شامخا قادرا أشعــر
فالميت مآله العـــدم والعاقل العاقل المعتبـر
يوسف الجزائري
موضوع: سر التمكين في شتى الميادين 
